فصل: حوادث سنة سبع وأربعين ومائتين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  حوادث سنة خمس وأربعين ومائتين

في هذه السنة أمر المتوكل ببناء الماخورة وسماها الجعفرية وأقطع القواد وأصحابه فيها وجد في بنائها وأنفق عليها فيما قل أكثر من ألفي ألف دينار وجمع فيها القراء فقرأوا وحضرها أصحاب الملاهي فوهب أكثر من ألفي ألف درهم وكان يسميها هو وأصحابه المتوكلية وبنى فيها قصرًا سماه لؤلؤة لم ير مثله في علوه وحفر لها نهرًا يسقي ما حولها فقتل المتوكل فبطل حفر النهر وأخربت الجعفرية‏.‏

وفيها زلزلت بلاد المغرب فخربت الحصون والمنازل والقناطر ففرق المتوكل ثلاثة آلاف ألف درهم فيمن أصيب بمنزله وزلزل عسكر المهدي والمدائن وزلزلت أنطاكية فقتل بها خلق كثير فسقط منها ألف وخمس مائة دار وسقطج من سورها نيف وتسعون برجا وسمعوا أصواتًا هائلة لا يحسنون وصفها وتقطع جبلها الأقرع وسقط في البحر‏.‏

وهاج البحر ذلك اليوم وارتفع منه دخان أسود مظلم منتن وغار منها نهر على فرسخ لا يدري أين ذهب وسمع أهل سيس فيما قيل صيحة دائمة هائلة فمات منها خلق كثير فتزلزلت ديار الجزيرة والثغور وطرسوس وأدنة وزلزلت الشام فلم يسمع من أهل اللاذقية إلا اليسير وهلك أهل جبلة‏.‏

وفيها غارت مسنيات عين مكة فبلغ ثمن القربة ثمانين درهما فبعث المتوكل مالا وأنفق عليها‏.‏

وفيها مات إسحاق بن أبي إسرائيل وهلال الرازي‏.‏

وفيها هلك نجاح بن سلمة وكان سبب هلاكه أنه كان على ديوان التوقيع وتتبع العمال وكان على الضياع فكان جميع العمال يتوقونه ويقضون حوائجه وكان المتوكل ربما نادمه وكان الحسن بن مخلد وموسى بن عبد الملك قد انقطعا إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزير المتوكل وكان الحسن على ديوان الضياع وموسى على ديوان الخراج فكتب نجاح بن سلمة فيهما رقعة إلى المتوكل أنهما خانا وقصرا وأنه يستخرج منها أربعين ألف ألف فقال له المتوكل‏:‏ بكر غدًا حتى أدفعهما إليك‏.‏

فغدا وقد رتب أصحابه لأخذهما فلقيه عبيد الله بن يحيى الوزير فقال له‏:‏ أنا أشير عليك بمصالحتهما وتكتب رقعة أنك كنت شاربا وتكلمت ناسيا وأنا أصلح بينكما وأصلح الحال عند أمير المؤمنين ولم يزل يخدعه حتى كتب خطه بذلك‏.‏

فلما كتب خطه صرفه واحضر الحسن وموسى وعرفهما الحال وأمرهما أن يكتبا في نجاح وأصحابه بألفي ألف دينار ففعلا وأخذ الرقعتين وأدخلهما على المتوكل وقال‏:‏ قد رجع نجاح عما قال وهذه رقعة موسى والحسن ويتقبلان بما كتبا فتأخذ ما ضمنا عليه ثم تعطف عليهما فتأخذ منهما قريبًا منه‏.‏

فسر المتوكل بذلك وأمر بدفعه إليهما فأخذاه وأولاده فأقروا بنحومائة أربعين ألف دينار سوى الغلات والغرس والضياع وغير ذلك فقبض ذلك أجمع وضرب ثم عصرت خصيتاه حتى مات وأقر أولاده بعد الضرب بسبعين ألف دينار سوى ما لهما من ملك وغيره فأخذ وفيها أغارت الروم على سميساط فقتلوا وسبوا وأسروا خلقًا كثيرا وغزا علي بن يحيى الأرمني الصائفة ومنع أهل لؤلؤة رئيسهم من الصعود إليها فبعث إليهم ملك الروم بطريقًا يضمن لكل رجل منهم ألف دينار على أن يسلموا إليه لؤلؤة فأصعدوا البطريق إليهم ثم أعطوا أرزاقهم الفائتة وما أرادوا فسلموا لؤلؤة والبطريق إلى بلكاجور فسيره إلى المتوكل فبذل ملك الروم في فدائه ألف مسلم‏.‏

وحج بالناس محمد بن سليمان بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم الإمام يعرف بالزيني وهووالي مكة‏.‏

وكان نيروز المتوكل الذي أرفق أهل الخراج بتأخيره إياه عنهم لإحدى عشرة خلت من شهر ربيع الأول ولسبع خلت من حزيران ولثمان وعشرين من أردبيهشت فقال البحتري‏:‏ إن يوم النيروز عاد إلى العه د الذي كان سنه أردشير

  ذكر خروج الكفار بالأندلس إلى بلاد الإسلام

في هذه السنة خرج المجوس من بلاد الأندلس في مراكب إلى بلاد الإسلام فأمر محمد بن عبد

الرحمن صاحب بلاد الإسلام بإخراج العساكر إلى قتالهم وأحرقت المسجد الجامع ثم جازت إلى العدوة فحلت بناكور ثم عادت إلى الأندلس فانهزم أهل تدمير ودخلوا حصن أريوالة‏.‏

ثم تقدموا إلى حائط إفرنجة وأغاروا وأصابوا من النهب والسبي كثيرًا ثم انصرفوا فلقيتهم مراكب محمد فقاتلوهم فأحرقوا مركبين من مراكب الكفار وأخذوا مركبين آخرين فغمنوا ما فيهما فحمي الكفرة عند ذلك وجدوا في القتال فاستشهد جماعة من المسلمين ومضت مراكب المجوس حتى وصلت إلى مدينة بنبلونة فأصابوا صاحبها غرسية الفرنجي فاقتدى نفسه منهم بتسعين ألف دينار‏.‏

وفيها غزا عامل طرسونة إلى بنبلونة فافتتح حصن بيلسان وسبى أهله ثم كانت على المسلمين في اليوم الثاني وقعة استشهد فيها جماعة‏.‏

  ذكر الحرب بين البربر وابن الأغلب بإفريقية

في هذه السنة كانت بين البربر وعسكر أبي إبراهيم أحمد بن محمد بن الأغلب وقعة عظيمة في جمادى الآخرة‏.‏

وسببها أن بربر لهان امتنعوا على عامل طرابلس من أداء عشورهم وصدقاتهم وحاربوه فهزموه فقصد لبدة فحصنها وسار إلى طرابلس فسير إليه أحمد بن محمد الأمير جيشًا مع أخيه زيادة الله فانهزم البربر وقتل منهم خلق كثير وسير زيادة الله الخيل في آثارهم فقتل من أدرك منهم وأسر جماعة فضربت أعناقهم وأحرق ما كان في عسكرهم فأذعن البربر بعدها وأعطوا الرهن وأدوا طاعتهم‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة توفي يعقوب بن إسحاق النحوي المعروف بابن السكيت وكان سبب موته أنه اتصل بالمتوكل فقال له‏:‏ أيما أحب إليك المعتز والمؤيد أوالحسن والحسين فتنقص ابنيه وذكر الحسن والحسين عليهما السلام بما همل أهل له فأمر الأتراك فداسوا بطنه فحمل إلى داره فمات‏.‏

وفيها توفي ذوالنون المصري في ذي العقدة وأبوتراب النخشبي الصوفي نهشته السباع فمات بالبادية وأبوعلي الحسين بن علي المعروف بالكرابيسي صاحب الشافعي وقيل مات سنة ثمان وأربعين وسوار بن عبد الله القاضي العنبري وكان قد عمي‏.‏

وفيها غزا عمرو بن عبد الله الأقطع الصائفة فأخرج سبعة عشر ألف راس وغزا قريباس وأخرج خمسة آلاف رأس وغزا الفضل ابن قارن بحرًا في عشرين مركبا فافتتح حصن أنطاكية وغزا بلكاجور فغمن وسبى وغزا علي بن يحيى الأرمني فأخرج خمسة آلاف رأس ومن الدواب والرمك والحمير ونحوًا من عشرة آلاف رأس‏.‏

وفيها تحول المتوكل إلى الجعفرية‏.‏

وفيها كان الفداء على يد علي بن يحيى الأرمني ففودي بألفين وثلاثمائة وسبعة وستين نفسًا‏.‏

وفيها مطر أهل بغداد نيفًا وعشرين يوما حتى نبت العشب فوق الاجاجير وصلى المتوكل صلاة الفطر بالجعفرية وورد الخبر أن سكة بناحية بلخ تعرف بسكة الدهاقين مطرت دمًا عبيطًا وحج بالناس هذه السنة محمد بن سليمان الزينبي وضحى أهل سامرا يوم الاثنين على الرؤية وأهل مكة يوم الثلاثاء‏.‏

وفيها سار محمد بن عبد الرحمن صاحب الأندلس في جيوش عظيمة وأهبة كثيرة إلى بلد بنبلونة فوطئ بلادها ودوخها وخربها ونهبها وقتل فيها فأكثر وافتتح حصن فيروس وحصن فالحسن وحصن القشتل وأصاب فيه فرتون بن غرسية فحبسه بقرطبة عشرين سنة ثم أطلقه إلى بلده وكان عمره لما مات ستًا وتسعين سنة وكان مقام محمد بنبلونة اثنين وثلاثين أَو عِندَهُ زامِرٌ بِالناى أو وَتَرُ أو عِندَهُ خَمرةٌ أو لَو بِهِ الطَبلُ أو عِندَهُ خائِضٌ في غَيبَهِ مُنِعَت أَو عِندَهُ زَحمَةٌ عَن مالِكٍ فَقُل أو أَقتنا عِندَهُ كَلبًا بِلا سَبَبٍ عَن فَرسَنٍ خَزٍ نُهوا قُم عَنهُ وَارتَحِلِ إِنّ المَلائِكَةَ لا تَأتي أماكِنَهُم وَإِن قَدَرتَ فَحَتمًا مُنكَرًا أزلِ هذه أمور بعضها مسقط للإجابة كما ذكره الغزالي رحمه الله لأنه لا يجب على الإنسان تعاطي المكروهات ومن الثاني ما إذا دعاه من ماله حرام حرمت الاجابة لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏لحم نبت من حرام النار أولى به‏)‏‏.‏

والخبيث الحرام والسحت أكله يعمي القلوب والظلمة إذا حصلت في القلب والعياذ بالله حصل الكلال في البصيرة كما يحصل للعين الكلال في البصر‏.‏

قوله دع‏:‏ أي اترك الاجابة الذي في سقفه صور أو جدران بيته أو في ستور معلقة عنده أو في ثياب أو حلل أو مخاد لا توطأ ولا يتكأ عليها أو عنده زامر بالناي وهو المزمار العراقي المعروف باليراع أو كان عنده أوتار أو خمر للشرب أو عنده طبل محرم كالكوبة وهي طبل ضيق الوسط دون الرأس أو كان خائضا في غيبة محرمة فإن كانت مباحة جاز‏.‏

والغيبة تباح في سبعة عشر موضعا نظمتها في جملة أبيات من جملة قصيدة وهي هذه الأبيات‏.‏

أَو عِندَهُ زامِرٌ بِالناى أو وَتَرُ أو عِندَهُ خَمرةٌ أو لَو بِهِ الطَبلُ أو عِندَهُ خائِضٌ في غَيبَهِ مُنِعَت أَو عِندَهُ زَحمَةٌ عَن مالِكٍ فَقُل أو أَقتنا عِندَهُ كَلبًا بِلا سَبَبٍ عَن فَرسَنٍ خَزٍ نُهوا قُم عَنهُ وَارتَحِلِ إِنّ المَلائِكَةَ لا تَأتي أماكِنَهُم وَإِن قَدَرتَ فَحَتمًا مُنكَرًا أزلِ هذه أمور بعضها مسقط للإجابة كما ذكره الغزالي رحمه الله لأنه لا يجب على الإنسان تعاطي المكروهات ومن الثاني ما إذا دعاه من ماله حرام حرمت الاجابة لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏لحم نبت من حرام النار أولى به‏)‏‏.‏

والخبيث الحرام والسحت أكله يعمي القلوب والظلمة إذا حصلت في القلب والعياذ بالله حصل الكلال في البصيرة كما يحصل للعين الكلال في البصر‏.‏

قوله دع‏:‏ أي اترك الاجابة الذي في سقفه صور أو جدران بيته أو في ستور معلقة عنده أو في ثياب أو حلل أو مخاد لا توطأ ولا يتكأ عليها أو عنده زامر بالناي وهو المزمار العراقي المعروف باليراع أو كان عنده أوتار أو خمر للشرب أو عنده طبل محرم كالكوبة وهي طبل ضيق الوسط دون الرأس أو كان خائضا في غيبة محرمة فإن كانت مباحة جاز‏.‏

والغيبة تباح في سبعة عشر موضعا نظمتها في جملة أبيات من جملة قصيدة وهي هذه الأبيات‏.‏

أَو عِندَهُ زامِرٌ بِالناى أو وَتَرُ أو عِندَهُ خَمرةٌ أو لَو بِهِ الطَبلُ أو عِندَهُ خائِضٌ في غَيبَهِ مُنِعَت أَو عِندَهُ زَحمَةٌ عَن مالِكٍ فَقُل أو أَقتنا عِندَهُ كَلبًا بِلا سَبَبٍ عَن فَرسَنٍ خَزٍ نُهوا قُم عَنهُ وَارتَحِلِ إِنّ المَلائِكَةَ لا تَأتي أماكِنَهُم وَإِن قَدَرتَ فَحَتمًا مُنكَرًا أزلِ هذه أمور بعضها مسقط للإجابة كما ذكره الغزالي رحمه الله لأنه لا يجب على الإنسان تعاطي المكروهات ومن الثاني ما إذا دعاه من ماله حرام حرمت الاجابة لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏لحم نبت من حرام النار أولى به‏)‏‏.‏

والخبيث الحرام والسحت أكله يعمي القلوب والظلمة إذا حصلت في القلب والعياذ بالله حصل الكلال في البصيرة كما يحصل للعين الكلال في البصر‏.‏

قوله دع‏:‏ أي اترك الاجابة الذي في سقفه صور أو جدران بيته أو في ستور معلقة عنده أو في ثياب أو حلل أو مخاد لا توطأ ولا يتكأ عليها أو عنده زامر بالناي وهو المزمار العراقي المعروف باليراع أو كان عنده أوتار أو خمر للشرب أو عنده طبل محرم كالكوبة وهي طبل ضيق الوسط دون الرأس أو كان خائضا في غيبة محرمة فإن كانت مباحة جاز‏.‏

والغيبة تباح في سبعة عشر موضعا نظمتها في جملة أبيات من جملة قصيدة وهي هذه الأبيات‏.‏

وفيها توفي دعبل بن علي الخزاعي الشاع وكان مولده سنة ثمان وأربعين ومائة وكان يتشيع‏.‏

وفيها توفي السري بن معاذ الشيباني بالري وكان أميرًا عليها حسن السيرة من أهل الفضل وتوفي أحمد بن إبراهيم الدورقي ببغداد ومحمد بن سليمان الأسدي الملقب بكوين‏.‏

  حوادث سنة سبع وأربعين ومائتين

  ذكر مقتل المتوكل

وفي هذه السنة قتل المتوكل وكان سبب قتله أنه أمر بإنشاء الكتب بقبض ضياع وصيف بأصبهان والجبل وإقطاعها الفتح بن خاقان فكتبت وصارت إلى الخاتم فبلغ ذلك وصيفا وكان المتوكل أراد أن يصلي بالناس أول جمعة في رمضان وشاع في الناس واجتمعوا لذلك وخرج بنوهاشم من بغداد لرفع القصص وكلامه إذا ركب‏.‏

فلما كان يوم الجمعة وأراد الركوب للصلاة قال له عبيد الله بن يحيى والفتح بن خاقان‏:‏ إن الناس قد كثروا من أهل بيتك ون غيرهم فبعض متظلم وبعض طالب حاجة وأمير المؤمنين يشكوضيق الصدر وعلة به فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر بعض ولاة العهود بالصلاة ونكون معه فليفعل‏.‏

فأمر المنتصر بالصلاة فلما نهض للركوب قالا له‏:‏ يا أمير المؤمنين إن رأيت أن تأمر المعتز بالصالة فقد اجتمع الناس لتشرفه بذلك وقد بلغ الله به وكان قد ولد للمعتز قبل ذلك ولد فأمر المعتز فركب فصلى بالناس وأقام المنتصر في داره بالجعفرية فزاد ذلك في إغرائه‏.‏

فلما فرغ المعتز من خطبيه قام إليه عبيد الله والفتح بن خاقان فقبلا يديه ورجليه فلا فرغ من الصلاة انصرف ومعه الناس في موكب الخلافة حتى دخل على أبيه فأثنوا عليه عنده فسره ذلك‏.‏

فلما كان عيد الفطر قال‏:‏ مروا المنتصر يصلي بالناس‏!‏ فقال له عبيد الله‏:‏ قد كان الناس يتطلعون إلى رؤية أمير المؤمنين واحتشدوا لذلك فلم يركب ولا يأمن إن هولم يركب اليوم أن يرجف الناس بعلته فإذا رأى أمير المؤمنين أن يسر الأولياء ويكبت الأعداء بركوبه فليفعل‏.‏

فركب وقد وصف له الناس نحوأربعة أميال وترجلوا بين يديه فصلى ورجع فأخذ حفنة من التراب فوضعها على رأسه وقال‏:‏ إني رأيت كثرة هذا الجمع ورأيتهم تحت يدي فأحببت أن أتراضع لله فلما كان اليوم الثالث افتصد واشتهى لحم جزور فأكله وكان قد حضر عنده ابن الحفصي وغيره فأكلوا بين يديه‏.‏

قال‏:‏ ولم يكن يوم أسر من ذلك اليوم ودعا الندماء والمغنين فحضروا وأهدت له أم المعتز مطرف خز أخضر لم ير الناس مثله فنظر إليه فأطال وأكثر تعجبه منه وأمر فقطع نصفين ورده عليها وقال لرسولها‏:‏ والله إن نفسي لتحدثني أني لا ألبسه وما احب أن يلبسه أحد بعدي ولهذا أمرت بشقه‏.‏

قال فقلنا‏:‏ نعيذك بالله أن تقول مثل هذا قال‏:‏ وأخذ في الشرب واللهو‏.‏

ولج بأن يقول‏:‏ أنا والله مفارقكم عن قليل‏!‏ ولم يزل في لهوه وسروره إلى الليل‏.‏

وكان قد عزم هوالفتح أن يفتكا بكرة غد بالمنتصر ووصيف وبغا وغيرهم من قواد الأتراك وقد كان المنتصر واعد الأتراك ووصيفًا وغيره على قتل المتوكل‏.‏وكثر عبث المتوكل قبل ذلك بيوم بابنه المنتصر مرة يشتمه ومرة يسقيه فوق طاقته ومرة يأمر بصفعه ومرة يتهدده بالقتل ثم قال للفتح‏:‏ برئت من الله ومن قرابتي من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إن لم تلطمه يعني المنتصر فقام إليه فلطمه مرتين ثم أمر يده على قفاه ثم قال لمن حضره‏:‏ اشهدوا عليّ جميعًا أني قد خلعت المستعجل يعني المنتصر ثم التفت إليه فقال‏:‏ سميتك المنتصر فسماك الناس لحمقك المنتظر ثم صرت الآن المستعجل‏.‏

فقال المنتصر‏:‏ لوأمرت بضرب عنقي كان أسهل عليّ مما تفعله بي فقال‏:‏ اسقوه ثم أمر بالعشاء فأحضر وذلك في جوف الليل فخرج المنتصر من عنده وأمر بنانًا غلام أحمد بن يحيى أن يلحقه وأخذ بيد زرافة الحاجب وقال له‏:‏ امض معي‏!‏ فقال‏:‏ إن أمير المؤمنين لم يمن فقال‏:‏ إنه

قد أخذ منه النبيذ والساعة يخرج بغا والندماء وقد أحببت أن تجعل أمر ولدك إلي فإن أوتامش سألني أن أزوج ولده من ابنتك وابنك من ابنته فقال‏:‏ نحن عبيدك فمر بأمرك‏!‏ فسار معه إلى حجرة هناك وأكلا طعاما فسمعا الضجة والصراخ فقاما وإذا بغا قد لقي المنتصر فقال المنتصر‏:‏ ما هذا فقال‏:‏ خير يا أمير المؤمنين قال‏:‏ ما تقول ويلك قال‏:‏ أعظم الله أجرك في سيدنا أمير المؤمنين كان عبًا لله دعاه فأجابه‏.‏

فجلس المنتصر وأمر بباب البيت الذي قتل فيه المتوك فأغلق وأغلقت الأبواب كلها وبعث إلى وصيف يأمره بإحضار المعتز والمؤيد عن رسالة المتوكل‏.‏

وأما كيفية قتل المتوكل فإنه لما خرج المنتصر دعا المتوكل بالمائدة وكان بغا الصغير المعروف بالشرابي قائمًا عند الستر وذلك اليوم كان نوبة بغا الكبير وكان خليفته في الدار ابنه موسى وموسى هوابن خالة المتوكل وكان أبوه يومئذ بسميساط فدخل بغا الصغير إلى المجلس فأمر الندماء بالانصراف إلى حجرهم فقال له الفتح‏:‏ ليس هذا وقت انصرافهم وأمير المؤمنين لم يرتفع فقال بغا‏:‏ إن أمير المؤمنين أمرني أنه إذا جاوز السبعة لا أترك أحدا وقد شرب أربعة عشر رطلا وحرم أمير المؤمنين خلف الستارة‏.‏

وأخرجهم فلم يبق إلا الفتح وعثعث وأربعة من خدم الخاصة وأبوأحمد بن المتوكل وهوأخوالمؤيد لأمه‏.‏

وكان بغا الشرابي أغلق الأبواب كلها إلا باب الشط ومنه دخل القوم الذين قتلوه فبصر بهم أبوأحمد فقال‏:‏ ما هذا يا سفل‏!‏ وإذا سيوف مسللة فلما سمع المتوكل صوت أي أحمد رفع رأسه فرآهم فقال‏:‏ ما هذا يا بغا فقال‏:‏ هؤلاء رجال النوبة فرجعوا إلى ورائهم عند كلامه ولم يكن واجن وأصحابه وولد وصيف حضروا معهم فقال لهم بغا‏:‏ يا سفل‏!‏ أنتم مقتولون لا محالة فموتوا كرامًا‏!‏ فرجعوا فابتدره بغلون فضربه على كتفه وأذنه فقده فقال‏:‏ مهلًا‏!‏ قطع الله يدك وأراد الوثوب به واستقبله بيده فضربها فأبانها وشاركه باغر فقال الفتح‏:‏ ويلكم‏!‏ أمير المؤمنين‏.‏

ورمى بنفسه على المتوكل فبعجوه بسيوفهم فصاح‏:‏ الموت‏!‏ وتنحى فقتلوه‏.‏

وكانوا قالوا لوصيف ليحضر معهم وقالوا‏:‏ إنا نخاف فقال‏:‏ لا بأس عليكم فقالوا له‏:‏ أرسل معنا بعض ولدك فأرسل معهم خمسة من ولده‏:‏ صالحا وأحمد وعبد الله ونصرا وعبيد الله‏.‏

وقيل إن القوم لما دخلوا نظر إليهم عثعث فقال للمتوكل‏:‏ قد فرغنا من الأسد والحيات والعقارب وصرنا إلى السيوف وذلك أنه ربما أسلى الحية والعقرب والأسد فلما ذكر عثعث السيوف قال‏:‏ يا ويلك‏!‏ أي سيوف فما استتم كلامه حتى دخلوا عليه وقتلوه وقتلوا الفتح وخرجوا إلى المنتصر فسلموا عليه بالخلافة وقالوا‏:‏ مات أمير المؤمنين وقاموا علي رأس زرافة وأرسل المنتصر إلى وصيف‏:‏ إن الفتح قد قتل أبي فقتلته فاحضر في وجوه أصحابك‏!‏ فحضر هووأصحابه فبايعوا‏.‏

وكان عبيد الله بن يحيى في حجرته ينفذ الأمور ولا يعلم وبين يديه جعفر بن حامد إذ كلع عليه بعض الخدم فقال‏:‏ ما يحسبك والدار سيف واحد فأمر جعفرًا بالنظر فخرج وعاد وأخبره أن المتوكل والفتح قتلا فخرج فيمن عنده من خدمه وخاصته فأخبر أن الأبواب مغلقة وأخذ نحوالشط فإذا أبوابه مغلقة فأمر بكسر ثلاثة أبواب وخرج إلى الشط وركب في زورق فأتى منزل المعتز فسأل عنه فلم يصادفه فقال‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون قتل نفسه وقتلني‏.‏

واجتمع إلى عبيد الله أصحابه غداة يوم الأربعاء من الأبناء والعجم والأرمن والزواقيل وغيرهم فكانوا زهاء عشرة آلاف وقيل كانوا ثلاثة عشر ألفا وقيل ما بين خمسة آلاف إلى عشرة آلاف فقالوا‏:‏ ما اصطنعتنا إلا لهذا اليوم فمرنا بأمرك وأذن لنا منل على اللوم ونقتل المنتصر ومن معه‏!‏ فأبى ذلك وقال‏:‏ المعتز في أيديهم‏.‏

وذكر عن علي بن يحيى المنجم أنه قال‏:‏ كنت أقرأ على المتوكل قبل قتله بأيام كتابًا من كتب الملاحم فوقفت على موضع فيه أن الخليفة العاشر يقتل في مجلسه فتوقفت عن قراءته فقال‏:‏ مالك فقلت‏:‏ خير‏!‏ قال‏:‏ لا بد من أن تقرأه فقرأته وحدث عن ذكر الخلفاء فقال‏:‏ ليت

قال أبوالوارث قاضي نصيبين‏:‏ رأيت في النوم آتيًا وهويقول‏:‏ يا نائم العين في جثمان يقظان ما بال عينك لا تبكي بتهتان أما رأيت صروف الدهر ما فعلت بالهاشمي وبالفتح بن خاقان فأتى البريد بعد أيام بقتلهما‏.‏

وكان قتله ليلة الأربعاء لأربع خلون من شوال وقيل ليلة الخميس وكانت خلافته أربع عشرة سنة وعشرة أشهر وثلاثة أيام وكان مولده بفم الصلح في شوال سنة ست ومائتين وكان عمره نحوأربعين سنة‏.‏

وكان أسمر حسن العينين نحيفا خفيف العارضين ورثاه الشعراء فأكثروا ومما قيل فيه قول علي بن الجهم‏:‏ عبيد أمير المؤمنين قتله وأعظم آفات الملوك عبيدها بني هاشم صبرا فكل مصيبة سيبلى على وجه الزمان جديدها

  ذكر بعض سيرته

ذكرا أبا الشمط مروان بن أبي الجنوب قال‏:‏ أنشدت المتوكل شعرًا ذكرت فيه الرافضة فعقد لي على البحرين واليمامة وخلع علي أربع خلع وخلع علي المنتصر وأمر لي المتوكل بثلاثة آلاف دينار فنثرت علي وأمر ابنه المنتصر وسعدًا الإيتاخي أن يلقطاها لي ففعلأن والشعر الذي قلته‏:‏ ملك الخليفة جعفر لدين والدنيا سلامه لكم تراث محمد وبعد لكم تشفى الظلامة يرجوالتراث بنوالبنا ت وما لهم فيها قلامه والصهر ليس بوارث والبنت لا ترث الإمامه ما للذين تنحلوا ميراثكم إلا الندامة أخذ الوراثة أهلها فعلام لومكم علامه لوكان حقكم لما قامت على الأنس الثيامه ليس التراث لغيركم لا والإله ولا كرامه أصبحت بين محبكم والمبغضين لكم علامه ثم نثر علي بعد ذلك لشعر قلته في هذا المعنى عشرة آلاف درهم‏.‏

وقال يحيى بن أكثم‏:‏ حضرت المتوكل فجرى بيني وبينه ذكر المأمون فقلت بتفضيله وتقريظه

ووصف محاسنه وعلمه ومعرفته قولًا كثيرا لم يقع لموافقة من حضر فقال المتوكل‏:‏ كيف كان يقول في القرآن فقلت‏:‏ كان يقول‏:‏ ما مع القرآن حاجة إلى علم فرض ولا مع السنة وحشة إلى فعل أحد ولا مع البيان والأفهام حجة لتعلم ولا بعد الجحود للبرهان والحق إلا السيف لظهور الحجة‏.‏

فقال المتوكل‏:‏ لم أرد منك ما ذهبت إليه فقال يحيى‏:‏ القول بالمحاسن في المغيب فريضة على ذي نعمة‏.‏

قال‏:‏ فا كان يقول خلال حديثه فإن أمير المؤمنين المعتصم بالله رحمه اله كان يقوله وقد أنسيته قال كان يقول‏:‏ اللهم إني أحمدك على النعم التي لا يحصيها غيرك وأستغفرك من الذنوب التي لا يحيط بها إلا عفوك‏.‏

قال‏:‏ فما كان يقول إذا استحسن شيئا أو بشر بشيء فقد نسيناه قال يحيى‏:‏ كان يقول إن ذكر آلاء الله وكثرتها وتعداد نعمه والحديث بها فرض من الله على أهلها وطاعة لأمره فيها وشكر له عليها فلا حمد لله العظيم الآلاء السابغ النعماء بما هوأهله ومستوجبه من محامده القاضية حقه البالغة شكره المانعة غيره الموجبة مزيده على ما لا يحصيه تعدادنا ولا يحيط به ذكرنا من ترادف منته وتتابع فضله ودوام طوله حمد من يعلم أن ذلك منه والشكر له وقدم في هذه السنة محمد بن عبد الله بن طاهر من مكة في صفر فشكا ما ناله من الغم بما وقع من الخلاف في يوم النحر فأمر المتوكل بإنفاذ خريطة من الباب إلى أهل الموسم برؤية هلال ذي الحجة وأمر أن يقام على المشعر الحرام وسائر المشاعر الشمع مكان الزيت والنفط‏.‏

وفيها ماتت أم المتوكل في شهر ربيع الآخر وصلى عليها المنتصر ودفنت عند المسجد الجامع وكان موتها قبل المتوكل بستة أشهر‏.‏

  ذكر بيعة المنتصر

قد ذكرنا قتل المتوكل ومن بايع المنتصر أبا جعفر محمد بن جعفر المتوكل تلك الليلة فلما أصبح يوم الأربعاء حضر الناس الجعفرية من القواد والكتاب والوجوه والشاكرية والجند وغيرهم فقرأ عليهم أحمد بن الخصيب كتابًا يخبر فيه عن المنتصر أن الفتح بن خاقان قتل المتوكل فقتله به فبايع الناس وحضر عبيد الله بن يحيى بن خاقان فبايع وانصرف‏.‏

قيل وذكر عن أبي عثمان سعيد الصغير أنه قال‏:‏ لما كانت الليلة التي قتل فيها المتوكل كنا في الدار مع المنتصر فكان كلما خرج الفتح خرج معه وإذا رجع قام لقيامه وإذا ركب أخذ بركابه وسوى عليه ثيابه في سرجه‏.‏

وكان اتصل بنا الخبر أن عبيد الله بن يحيى قد أعد قومًا في طريق المنتصر ليغتالوه عند انصرافه وكان المتوكل قد أسمعه وأحفظه ووثب عليه وانصرف غضبان وانصرفنا معه إلى داره وكان واعد الأتراك على قتل المتوكل إذا ثمل من النبيذ قال‏:‏ فلم ألبث أن جاءني رسوله أن احضر فقد جاءت رسل أمير المؤمنين إلى الأمير ليركب‏.‏

قال‏:‏ فوقع في نفسي ما كنا سمعنا من اغتيال المنتصر فركبت في سلاح وعدة وجئت باب المنتصر فإذا هم يموجون وإذا واجن قد جاءه فأخبره أنهم قد فرغوا من المتوكل فركب فلحقته في بعض الطريق وأما مرعوب فرأى ما بي فقال‏:‏ ليس عليك بأس أمير المؤمنين قد شرق بقدح شربه فمات رحمه الله تعالى‏.‏

فشق علي ومضينا ومعنا أحمد بن الخصيب وجماعة من القواد حتى دخلنا القصر ووكل بالأبواب فقلت له‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ لا ينبغي أن تفارقك مواليك في هذا الوقت‏.‏

قال‏:‏ أجل وكن أنت خلف ظهري فأحطنا به وبايعه من حضر وكل من جاء يوقف حتى جاء سعيد الكبير فأرسله خلف المؤيد قال لي‏:‏ امض أنت إلى المعتز حتى يحضر فأرسلني فمضيت وأنا آيس من نفسي ومعي غلامان لي فلما صرت إلى باب المعتز لم أجد به أحدًا من الحرس والبوابين فصرت إلى الباب الكبير فدققته دقًا عنيفا فأجبت بعد مدة‏:‏ من أنت فقلت‏:‏ رسول أمير المؤمنين المنتصر فمضى الرسول وأبطأن وخفت وضاقت علي الأرض ثم فتح الباب وخرج بيدون الخادم وأغلق الباب ثم سألني عن الخبر فأخبرته أن المتوكل شرق بكأس شربه فمات من ساعته وأن الناس قد اجتمعوا وبايعوا المنتصر وقد أرسلني لأحضر الأمير المعتز ليبايع‏.‏

فدخل ثم خرج فادخلني على المعتز فقال لي‏:‏ ويلك ما الخبر فأخبرته وعزيته وبكيت وقلت‏:‏ تحضر وتكون في أول من يبايع وتأخذ بقلب أخيك فقال‏:‏ حتى يصبح فما زلت به أنا وبيدون حتى ركب وسرنا وأنا أحدثه فسألني عن عبيد الله بن يحيى فقلت‏:‏ هويأخذ البيعة على الناس والفتح قد بايع فأيس وأتينا باب الخير ففتح لنأن وصرنا إلى المنتصر فلما رآه قربه وعانقه وعزاه وأخذ البيعة عليه‏.‏

ثم وافى سعيد الكبير بالمؤيد ففعل به مثل ذلك فأصبح الناس وأمر المنتصر بدفن المتوكل والفتح‏.‏

ولما أصبح الناس شاع الخبر في الماخورة وهي المدينة التي كان بناها المتوكل وفي أهل سامرا بقتل المتوكل فتوافى الجند والشاكرية بباب العامة وبالجعفرية وغيرهم من الغوغاء والعامة وكثر الناس وتسامعوا وركب بعضهم بعضا وتكلموا في أمر البيعة فخرج إليهم عتاب بن عتاب وقيل زرافة فوعدهم عن أمير المؤمنين المنتصر فأسمعوه فدخل عليه فأعلمه فخرج المنتصر وبين يديه جماعة من المغاربة فصاح بهم وقال‏:‏ خذوهم‏!‏ فدفعوهم إلى الأبواب فازدحم الناس وركب بعضهم بعضا فتفرقوا وقد مات منهم ستى أنفس‏.‏